هل شعرت بالرغبة في الهرب من كل شيء، والتفرّغ للعمل على إنتاج مشروع يعبّر عنك ويشبهك؟
خارج المدينة، بعيدًا عن المواعيد، والضجيج والركض المستمر نحو وجهة لا تعرفها؟
سبقك الروائي الأمريكي إرنست همنغواي بهذه الفكرة قبل قرابة الـ 100 عام، حين قرر الهروب إلى كي ويست، والعيش في أقصى نقطة في جنوب أمريكا، حيث ينتهي العالم، ويبدأ المحيط.
كي ويست تشبه رغوة قارة انفجرت إلى عدد لا نهائي من الجزر الصغيرة، ثم تلاشت في المياه الاستوائية.
وجد فيها همنغواي المكان الأمثل لكتابة خمسة كتب، ومسرحية، ومجموعة من القصص القصيرة في ثمانية أعوام فقط.
وصل همنغواي إلى قراره بالهرب من حياة المدينة، بعد سبعة أعوام صاخبة قضاها في أوروبا وخاض فيها المغامرات في الحي اللاتيني بباريس.
التقى فيها بجيمس جويس، وإزرا پاوند، وپاوبلو پيكاسو، وأخيرًا فرنسيس سكوت فيتزجيرالد ليقرأ مسودة روايته غاتسبي العظيم ويُعجب بها، وتدفعه لاتخاذ قراره الحازم: "عليّ ترك كل هذا الصخب وإعادة كتابة روايتي!"
انتهت سنوات همنغواي في باريس بتعرّضه لإصابة في جبهته بعد سقوط النافذة عليه في حمام شقته، ليتأكّد من قراره: "لن أعيش في مدينة كبيرة بعد اليوم." ويرحل بعدها إلى كي ويست.
في كي ويست كان منزل أحلامه بانتظاره، بمدخل تسنده أعمدة شاهقة تلتف في شكل مستطيل، وتنيره نوافذ واسعة مقوّسة، وتحفّه حديقة من أشجار النخيل.
في كي ويست وجد همنغواي المكان المثالي للكتابة، للطف سكانها، وهدوء الحياة فيها وهدير أمواج المحيط على أعتابها.
بعيدًا عن أصدقائه وعن نشاطاته ومغامراته، هنا لا يمكنه تأجيل الكتابة بسبب رحلات صيد الأسماك، ولا الخروج للسهر في الحانات مع الغرباء.
في منزله الساحر في كي ويست، لديه مقعد جلدي عثر عليه في مصنع للسيجار، المكان المثالي للكتابة لست ساعات في اليوم.
يقول همنغواي "حين أعمل على كتاب أو رواية قصيرة أبدأ بالكتابة عند طلوع الشمس، وأكتب حتى أصل إلى مكان لا فقد فيه طاقتي تمامًا، وأعرف ما سيحدث في المشهد القادم من القصة. هنا أتوقف، وأحاول البقاء حيًا حتى صباح اليوم التالي."
رغم مغامرات همنغواي وحبه للصيد والسفر إلا أنه اعترف في لقاء له مع صحفي من صحيفة نيويورك تايمز حين قال: "أنا لا أشعر بالسعادة إلا عندما أعمل."
