هل سبق وأن عصيت معلمًا لك؟

هل اختلفت معه بسبب مغامرة لم يسمح لك بخوضها؟ أو فكرة منعك من تطبيقها؟

نتحدث دائمًا عن الطاعة وفضيلتها، ولكن ماذا عن فائدة العصيان؟

نعم، العصيان.

لا أتحدث عن العصيان الطائش أو السابق لأوانه قبل التعلّم الكامل لأساسيات وفنون حرفتك أو فنّك، بل عن تلك اللحظة الحاسمة بعد سنوات من طاعتك لمعلّمك ونهلك من معرفته، حين يصطدم رأي معلّمك بصوتك الداخلي ويخالفه.

هل ستتبع صوتك الداخلي؟ وتستجيب لنداء حياتك؟

أم تلتزم برأي معلمك وتختفي في ظلّه للأبد؟

هذه أربع قصص عصت فيها شخصيّات تاريخيّة معلميها لتُغيّر العالم:

1# الإسكندر الأكبر يرفض أفكار أرسطو العرقيّة ويغزو العالم

التلميذ: الإسكندر الأكبر

المعلّم: أرسطو

القصة: في صغره، كان إعجاب الإسكندر الأكبر بأرسطو يفوق إعجابه بوالده، وتعلّم منه الكثير من الدروس في الفضيلة والحكمة والاعتدال. إلا أنه حين اعتلى العرش، تجاوزت طموحاته حدود تعاليم أرسطو، وتطوّرت لديه أفكار مخالفه لما لقّنه إياه معلمه.

على الرغم من انحرافه عن تعاليم أرسطو، إلا أن عصيان الإسكندر أدى إلى بداية واحدة من أكبر الإمبراطوريات في التاريخ، قهر فيها الإسكندر الأكبر الإمبراطورية الفارسية ووصل إلى الهند. رفض الإسكندر آراء أرسطو العرقيّة وبنى إمبراطوريّة تمتد عبر قارات العالم، وأسس فيها لمبادئ التعايش ومزج الثقافات والحضارات بطريقة لم يشهدها التاريخ من قبل.

2# موزارت يخرج من دور العازف ليؤلف سيمفونياته الموسيقيّة

التلميذ: فولفجانج أماديوس موزارت

المعلّم: ليوبولد موزارت (والده)

القصة: كان ليوبولد ملحنًا قديرًا في عصره، وعُرف بأسلوبه الباروكي الشهير ببنيته وتعقيداته الموسيقيّة. أمّا موزارت، على الرغم تدرّبه في صغره على الأسلوب الباروكي، إلا أن عبقريته ظهرت في تبنيه لأسلوب موسيقي كلاسيكي ناشئ، يتميّز بتركيباتٍ أخف وعاطفة أعمق.أراد ليوبولد لابنه العزف واستثمار موهبته أمام العائلات الثريّة لجني المال. أما موزارت، فكان يتوق إلى الحرية الفنية، وفرص التأليف الموسيقي ليبهر العالم بمقطوعاته الفريدة.غضب موزارت من سيطرة والده الصارمة خلال جولاتهم الأوروبية، ورغم تعلّمه الكثير من والده وتشاركهما الحب العميق للموسيقى، إلا أن حصول موزارت على حريته الفنية كان شرطًا أساسيًا لاستمراره في التطوّر في التأليف الموسيقي وابتكاره لمقطوعات خالدة حفظها التاريخ.

3# بيكاسو يتجاوز تقاليد الرسم ويؤسس الحركة التكعيبية

التلميذ: بابلو بيكاسو

المعلّم: دون خوسيه رويز بلاسكو (والده)

القصة: كان بلاسكو معلم فنونٍ ناجح درّب ابنه بابلو على التقنيات التقليدية في الرسم.أظهر بابلو الصغير موهبة فنية مذهلة. رعى والده موهبته وتصوّر له مهنة تسير على خطاه، ليتقن فيها بابلو الرسم الواقعي وثيماته وحقبه التاريخية.لكن بابلو أراد المزيد. فُتن بالحركات الفنية الجديدة الناشئة في أوروبا، وبدأ بتجريب الألوان الجريئة والأساليب غير التقليدية، ليناقض تعاليم والده الفنية. حاول والده في البداية إعادته إلى الطريق "الصحيح"، ولكن بابلو كان مصرًا على تجاربه.بعد سنوات شارك بابلو في تأسيس الحركة التكعيبية، ليثور على التقاليد الفنية ويفتح الباب على مصراعيه للإبداع والابتكار في فن القرن العشرين.

4# مانديلا يستخدم القوّة لتحرير جنوب أفريقيا

التلميذ: نيلسون مانديلا

المعلّم: والتر سيسولو (زعيم سياسي)

القصة: كان والتر سيسولو بمثابة الأخ الأكبر والمعلم لنيلسون مانديلا. حاربا لعقود طويلة معًا ضد الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.نصّت تعاليم سيسولو على المقاومة السلميّة، واتفق معه مانديلا في البداية، إلا أن رؤاه تحوّلت بعد أحداث العنف المتكررة التي واجهها المتظاهرون السلميون. شارك مانديلا بعد ذلك في تأسيس أومكونتو وي سيزوي، الجناح المسلح لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي، في عام 1961.رغم اختلافهما حول مسألة العنف، إلا أن فلسفة سيسولو في المقاومة السلمية وتطوّر أساليب مانديلا في الكفاح المسلّح ساعدت على تفكيك نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا عام 1990.