في صباح الأول من يوليو عام 2014، تفاجأت حين رأيت مجموعة من الكتّاب الأمريكيين يسرعون أمامي إلى غرفة الطابعة، ويتناقشون حول عدد النسخ التي سيطبعونها من نصوصهم، ويتحدثون عن فقاعة متخيّلة تنتظرنا في القاعة.

استغربت ولم أفهم، لكني تبعتهم لأطبع مسودة نصي على عجل.

بعد دقائق فهمت ما يحدث: كانوا يستعدون لورشة الكتابة.

إنه اليوم الأول لي في برنامج الأكاديمية الأمريكية للكتابة في باريس، وبانتظارنا في القاعة جلس الروائي الأمريكي جون بيغنيت، ليشرح لنا فكرة ورشة الكتابة في 5 قواعد واضحة:

1# هذه ليست محاضرة.

"أنا لست معلمكم، وهذه ليست محاضرة. لا يوجد منهج نتعلّمه."

2# سنقسم الوقت بينكم بالتساوي.

"أنتم 4 كتّاب، ولديكم 4 نصوص، وساعة واحدة. سنمنح كل نص 15 دقيقة: يقرأ الكاتب نصه في 5 دقائق، ثم ينصت لتعليقات بقيّة الكتّاب عليه."

3# سنضع كاتب النص في فقاعة مُتخيّلة.

"لا يجوز لكاتب النص الحديث أو التبرير أو النقاش وهو يسمع التعليقات على نصه. سنضعه في فقاعة مُتخيّلة."

4# ستعلّقون على نصوص بعضكم.

".. ستعلّقون واحدًا تلو الآخر على نص الكاتب في الفقاعة المتخيّلة، ثم ستعطونه الملاحظات والتعديلات على النسخة المطبوعة من مسودته."

5# سيشكر كاتب النص بقيّة الكتّاب في النهاية.

"بعد انتهاء الكتّاب من الحديث، يشارك الكاتب تعليقه الختامي باختصار، ويشكر الكتّاب على جهدهم ووقتهم."

انتهت تعليمات جون، ثم بدأت الورشة.

--

ورشة الكتابة هي اختراع أمريكي بامتياز. ثورة أمريكا على فكرة العزلة في الكتابة.

بدأت بذور هذه الثورة في القرن الثامن عشر في جامعة هارڤرد، حين اجتمع عدد من الكتّاب لقراءة أعمال بعضهم، والتعليق عليها ونقاشها.

الكتابة الأمريكية هي كتابة ضد العزلة، وضد الفكرة الأوروبية السائدة عن قدرة الكاتب على استحضار ربّات الإلهام في عزلته ليعود إلى العالم بأجمل أعماله دفعة واحدة.

لا تكاد تجد كاتبًا أمريكيًّا في العقود الماضية لم يسبق له الانضمام إلى ورشة كتابة: جيروم ديفيد سالنجر، جاك كيرواك، آلان غنسبرغ، تشاك بولانياك، آن سكستون، سيلڤيا بلاث، وجون إرڤنغ: جميعهم شاركوا في ورش الكتابة.

اذكر اسم أي كاتب أمريكي تعرفه، وأغلب الظن أنه قد شارك في ورشة من ورش الكتابة في مرحلة ما من حياته.

الكتابة الأمريكية تؤمن بضرورة وضع الكاتب أمام مجموعة متنوعة من الآراء والأفكار في مرحلة مبكرة من ولادة نصه، لتتحسن كتابته ويرتفع مستواها بتسارع.

أوّل ورشة كتابة في جامعة أمريكية

كانت ورشة آيوا للكتّاب التابعة لجامعة آيوا الأمريكية أوّل ورشة رسميّة للكتابة ضمن جامعة أمريكية (أسست عام 1936).

مدة ورشة آيوا للكتّاب عامان، ويحصل الكاتب في نهايتها على شهادة ماجستير في الفنون الجميلة.

كيرت ڤونيغوت، وڤيليب روث، وروبرت فروست جميعهم عملوا في ورشة آيوا للكتّاب.

خرّجت ورشة آيوا للكتّاب 17 فائزًا بجائزة الپوليتزر الشهيرة، وعددًا من الشعراء المتوّجين بأعلى جوائز الشعر في أمريكا.

تهيمن ورش الكتابة على تقاليد الكتابة الأمريكية لأكثر من 85 عامًا لأنها:

- تمنح الكاتب إطارًا يلتزم فيه بالإنتاج.

التزام الكاتب بالكتابة وحده صعب، بينما الالتزام في مجموعة سهل وممتع في أحيان كثيرة.

- مساحة حرّة للتجريب والفشل.

تنوّع أفكار وخلفيّات الكتّاب يجعل الورشة بيئة ممتازة "لاختبار" النصوص قبل استثمار الوقت فيها لتطويرها وإنهائها.

- فرصة لاكتشاف نقاط قوّة الكاتب.

تطوّر الكاتب في مجموعة يساعده على اكتشاف نقاط قوّته والتركيز عليها وتطويرها.

بعض ورش الكتابة تستمر لأيام أو أسابيع لتناول نصوص قصيرة، وبعضها تستمر لسنوات للعمل على كتب وروايات كاملة.

حين تلتحق بورشة الكتابة ويأتي دورك على الكتّاب إخبارك بـ:

- نقاط قوتك في الكتابة.

- ما يميّز أسلوبك ويجعلك تتفرد عن غيرك.

- الكلمات التي عليك استبدالها في نصك.

- الأفكار التي عليك الإسهاب فيها أو اختصارها.

- الجمل الطويلة أو القصيرة التي يجب إعادة كتابتها.

- ملاحظات اللغة والإملاء.

- أيّ قالب من قوالب الكتابة يتناسب مع صوتك وأسلوبك: الرواية، القصة، المقال، أو الشعر.

إذا أردت تجربة الأمر، كل ما عليك فعله هو العثور على عدد من الكتّاب، وإقناعهم للانضمام إلى ورشتك أو انضم إلى قائمة الانتظار لتجربة مئة يوم من الكتابة.