هنالك سؤال يعرفه كل كاتب عمل لساعات طويلة، وصارع الكلمات حتى تمكّن من إنهاء نصه ونشره، ليتفاجأ بعدها بعدم اهتمام أحد بنصّه.
قد يتبادر السؤال إلى ذهنك بعد ضغطك على زر النشر، ثم تحديثك للصفحة في الساعات والأيام القادمة، لتكتشف أن نصك الذي قضيت أيامًا بأكملها وأنت تحرّره وتبدّل مفرداته لم يحصل إلا على قراءات تعدّ على الأصابع، ولم تسمع أي صدى له، وكأنك وحدك في هذا العالم.
يتسلّل هذا السؤال إليك حين تحدّث نفسك قائلًا:
- لا أحد يقدّر جهدي ووقتي الذي قضيته في كتابة هذا النص.
- لو أخذ القرّاء دقائق من وقتهم لقراءته كاملًا لوجدوا فيه لغة متفوّقة، واستعارات جميلة، ومعلومات غزيرة.
- عليّ نشر النص من جديد على منصة أكبر.
- لماذا .. لا يقرأ نصوصي أحد؟
كنتُ في مكانك قبل سنوات، ونشرت الكثير من النصوص التي "لم يقرأها أحد"، لذلك أريد إخبارك بالأسباب التي تمنع القرّاء من الوصول كتاباتك واكتشافها، لتتفادها في نصوصك القادمة.
الوقت الذي قضيتَه في كتابة نصك وتحريره ونشره يستحق الدفاع عنه وحراسته من الضياع، لذلك اقرأ هذا الدليل بانتباه، وطبّق ما سأشاركه معك في نصوصك القادمة.
هذه 10 أسباب تمنع نصوصك من الانتشار:
السبب الأول: غموض العنوان.
قارئ اليوم يغرق في بحر من المشتتات، على هاتفه سيل لا ينتهي من مقاطع الفيديو والصور والرسائل والتطبيقات التي تغزوه في كل دقيقة من يومه.
قدرتك على خطف 5 دقائق منه لقراءة نصك باهتمام مهمّة تتطلّب إتقانك لفن كتابة العناوين.
حين يرى القارئ عنوان نصك على هاتفه أو على جهازه المكتبي سيسأل نفسه:
- ما هذا النص؟ أهو مقال أم قصة؟ نص خيالي أم حقيقي؟ تحليل أم دراسة أم فيه بيانات أم هو مجرد رأي؟
- هل هذا النص مُوجه إليّ؟ أم إلى قارئ آخر؟
- ما الغاية التي سأجنيها من قراءته؟ هل سيسهّل علي حياتي؟ أم سيوفر وقتي؟ أم سيمتعني بلغة جميلة وأحداث مشوّقة؟
إذا نظرت إلى عنوان هذا المقال "لماذا لا يقرأ نصوصك أحد؟" ستجد فيه الإجابة عن هذه الأسئلة الثلاثة، ولهذا السبب بدأت بقراءته، وما زلت هنا حتى الآن.
السبب الثاني: فشل الجملة الأولى في أسر القارئ.
مطلع نصك فهو فرصتك الأولى، وربما الأخيرة لجذب انتباه القارئ.
إذا كان مطلعك مملًا أو غامضًا، فقد تخسر قارئك للأبد. مهمة الجملة الافتتاحية في نصك هي دفع القارئ لقراءة الجملة الثانية، ومهمة الجملة الثانية هي دفعه لقراءة الثالثة، وهكذا حتى نهاية النص.
إذا أردت جذب القارئ من أول جملة في نصك، ركّز على الحاجات الأساسيّة لدى كل إنسان:
- الرغبة في تجنّب الضرر وتفادي الأخطار.
- البحث عن موارد جديدة.
- الشعور بالانتماء.
- توفير الوقت للوصول بطرق أسرع إلى الغاية المطلوبة.
هنا ستجد المزيد من الأمثلة لإتقان فن كتابة العناوين والمطالع.
السبب الثالث: غياب الوعد الواضح.
يحتاج القارئ إلى سبب للالتزام وإيقاف يومه لمنحك دقائق ثمينة منه. قد يكون هذا السبب أحد أمرين:
- النص لكاتب يعرفه ويثق بكتابته.
- النص فيه وعد محدّد للوصول إلى نتيجة يبحث القارئ عنها.
في كلتا الحالتين عليك منح القارئ وعدًا واضحًا منذ البداية، ولا تخلف وعدك أبدًا.
الوعد في هذا النص الذي كتبته لك أنني سأخبرك بالأسباب التي تمنع القرّاء من الوصول إلى نصوصك وقراءتها.
السبب الرابع: عدم عثورك على موضوعك المميّز بعد.
موضوعك المميّز هو نقطة التقاء بين 3 مساحات:
- الموضوعات والتجارب التي تكترث لها، وتحب الكتابة عنها.
- الأسئلة والمشكلات التي يكترث لها القارئ، ويريد القراءة عنها.
- النصوص التي لا يكتبها أحد.

في برنامج الكتابة المؤثّرة يعمل كتّاب الدفعة الأولى فيه على إتقان مهارات الكتابة وجذب القرّاء والعثور على موضوعاتهم المميّزة.
إذا استطعت العثور على الموضوع المحدد الذي تكترث له وتستمتع به، ويجد فيه القارئ ما يعبر عن مشكلاته وأسئلته، ويقدم نصوصًا لا يكتبها أحد فإنك وصلت إلى موضوعك المميّز.
خطوات ستوصلك إلى موضوعك المميّز:
- ابدأ بكتابة نصوص قصيرة في الموضوعات التي تكترث لها، وانشرها باستمرار على وسائل التواصل الاجتماعيّة.
- لاحظ تفاعل القرّاء معها، وبعد شهر من الكتابة والنشر رتّبها حسب الأكثر حصولًا على التعليقات والإعجاب.
- حدّد فرضيتك عن الموضوع المميّز الذي لاحظت اهتمام القرّاء به، وأطلق عليه اسمًا محددًا يخصّك.
- اسأل القرّاء عنه، وتيقن باهتمامهم به.
- اكتب فيه لعام كامل سلسلة من النصوص لبناء مكتبة من المقالات التي ستجعلك الكاتب الأمهر والأكثر خبرة في هذا الموضوع.
بإمكانك الكتابة في موضوعك المميّز لأشهر طويلة، وربما لسنوات، ولن يستطيع منافستك فيه أحد.
السبب الخامس: إهمال تنسيق النص.
لتنجح في جذب انتباه القارئ المعاصر المشغول بعشرات التطبيقات على هاتفه، عليك إتقان فن تنسيق نصوصك لتكيّفها مع الشاشات التي تُعرض عليها والطريقة التي يتفاعل بها القارئ مع ما تكتبه.
هذه 5 قواعد في فن تنسيق النصوص ستضاعف من عدد قرّاء نصك دون الحاجة إلى تغيير أي كلمة فيه:
1. ابدأ نصك بجملة واحدة قصيرة في سطر بمفردها.
2. اقسم المقاطع الطويلة إلى مقاطع أقصر تسهّل قراءتها وتتبعها.
3. استخدم الخط العريض لتحديد “الوعد” الذي تعد به القارئ في نصك.
4. إذا كان وعدك: 5 قواعد في فن تنسيق النصوص، اتبع هذا الوعد بالعناوين الفرعية بالأرقام حتى يستطيع القارئ العبور على النص بسرعة ثم حفظه والعودة إليه لقراءته.
5. استخدم القوائم والنقاط لترتيب أفكارك وعرضها للقارئ.
السبب السادس: عدم ثقة القارئ بك.
ربما تكون خبيرًا في مجالك أو متمكنًا من الكتابة والوصف، وعشت قصة طويلة قبل تمكّنك من كتابة نصك، لكن القارئ لا يعرف هذا في اللحظة التي يرى فيها النص أمامه.
عليك منحه الأسباب ليثق بك وبما تكتب.
لا تخجل من ذكر إنجازاتك، أو سنوات خبرتك في هذا الموضوع، أو الساعات التي قضيتها في البحث حتى تمكّنت من كتابة نص ما.
أظهر للقارئ معرفتك وخبرتك وجهدك، ليعرف أنك تقدّم له ما سيوفر عليه وقته وطاقته، ليمتن لك، ويقرأ نصك.
السبب السابع: حجم إطار الكتابة الذي اخترته كبير.
تحديد الإطار المناسب للكتابة فن يتطلّب منك معرفة عميقة بموضوعك وقارئك.
ما أقصده بإطار الكتابة هنا هو حجم السؤال الذي تحاول الكتابة عنه في نصك، لأن حجم السؤال الذي تكتب عنه سيحدّد حجم الجمهور الذي تستهدفه بهذا النص.
على سبيل المثال:
- ما أثر التقنية؟
هذا سؤال كبير، ويمكن تأليف المؤلفات والكتب فيه، ويمتد عبر الزمان والمكان، لذلك فحجم الجمهور المستهدف به هو ملايين، وربما مليارات البشر.
وهذا يجعلك تتنافس مع كل مَن كتب عن التقنية في التاريخ، ويجعل مهمتك صعبة ومرهقة لإقناع القرّاء أنك ستأتي بما هو جديد ومميز.
أما إذا كتبت عن سؤال آخر أصغر وأدق مثل:
- ما أثر التقنية والذكاء الاصطناعي على مستقبل الكتّاب الجدد في اللغة العربيّة؟
ستجد أن عدد القرّاء المستهدفين أصبح أقل، ولكن فرصك في الوصول إليهم أصبحت أكثر بكثير، لأنك ربما تكون أوّل مَن كتب في هذا الموضوع بالتحديد، بالإضافة إلى أن كل مَن ينطبق عليه هذا الوصف في العنوان سيسرع لفتح نصك وقراءته.
السبب الثامن: بطء معدل كشف الأحداث في نصك.
معدل كشف الأحداث ببساطة هو المعدل الذي تكشف فيه عن معلومات جديدة للقارئ - فالمعلومات الجديدة هي ما يحافظ على اهتمام القرّاء.
إذا أكثرت من الوصف، ولم تقدّم كل جملة جديدة في نصك حدثًا جديدة أو معلومة جديدة، سيصاب قارئك بالإرهاق، وسيترك النص بسرعة.
السبب التاسع: غياب قصتك.
إظهارك لقصتك وشخصيّتك من بداية النص ستمنحه طاقة تجذب القرّاء إليه.
لا تتردد في إظهار ضعفك، والاعتراف بأخطائك أو بفشلك. لا أحد يحب قراءة نصوص عامة خالية من الروح أو من الصدق.
جرّب مشاركة قصص حقيقية من حياتك، واربطها بالموضوعات والتجارب التي يهتم القرّاء بها، وستكتشف بنفسك قوّة سرد القصص الحقيقيّة من حياتك.
السبب العاشر: عدم عثورك على قارئك المثالي بعد.
إذا لم تعثر على موضوعك المميّز بعد، فالأغلب أنك لم تعثر على قارئك المثالي بعد.
ستصل إلى هذا القارئ بعد وصولك إلى موضوعك المميّز ليصبح كل نص جديد تكتبه عبارة عن رسالة جديدة في صندوق قارئ يعرفك وينتظر ما تكتب، لتخوض معه رحلة طويلة عبر الأشهر والسنوات.
استمع إلى قرّائك الآن، اقرأ تعليقاتهم، وستتعرّف عليهم وستتمكّن من الكتابة لهم بطريقة محدّدة ومدهشة، تجيب عن أسئلتهم وتفتح أبواب الخيال أمامهم.