لا أعرف عدد الساعات التي قضيتها في حياتي وأنا أحدق في صفحة بيضاء، سأخمن أنها بالعشرات، أو ربما .. بالمئات.
بعد عام كامل من كتابة نشرتي البريديّة باستمرار، اكتشفت سطرًا واحدًا أعاد لي كل هذه الساعات الضائعة.
إذا عرفتَ هذا السطر، ستتمكّن من الكتابة دون عناء، وستتسابق أصابعك على نقر لوحة المفاتيح لإنهاء نصوصك.
ستتفاجأ مِن بساطة هذا السطر ومن وضوحه، لأنك تعرفه جيّدًا، ولكنّنا جميعًا ننساه بطريقة غريبة حين نبدأ بالكتابة.
في هذا السطر 3 أسئلة، هي الأسئلة ذاتها التي تحتاج الإجابة عنها قبل إرسالك لأيّ رسالة:
- مَن الشخص المُرسل إليه؟
- ماذا ستقول له في الرسالة؟
- ما السبب الذي يدفعك لإرسالها؟
رغم بساطة هذه الأسئلة ووضوحها، إلا أننا دائمًا ما نحاول الكتابة قبل الإجابة عليها.
مشكلتنا ليست في صعوبة الكتابة، جميعنا نجيد الحديث والتفكير، واختراع التشبيهات والصور، مشكلتنا في اتخاذ القرار، وفي الإجابة بوضوح وصدق: لمَن نريد الكتابة؟ ماذا سنقول للقارئ؟ وما المغزى من كتابتنا؟
إجابة هذا السطر ليست في محرر النصوص ولا في عقلك، بل في العالم، في حديثك مع شخص مهتم بالموضوع الذي ستكتب عنه أو قراءتك لمقال أو مشاهدتك لمقطع فيديو.
حل التعثّر في الكتابة ليس إجبار نفسك عليها وعصر مخيّلتك، فهنا تبدأ الكتابة المنمّقة والفارغة بالظهور، بل في عيشك في العالم وعثورك على المحادثات والمشاهد التي تتطلّب كتابتك للتعبير عنها أو طرح رأيك فيها.
لو لاحظت عنوان هذه النشرة أجاب عن هذه الأسئلة الثلاثة جميعها:
- مَن الشخص المُرسل إليه؟ كل مَن يريد كتابة نشرة بريديّة كل أسبوع.
- ماذا ستقول له في الرسالة؟ سأخبره عن سطر.
- ما السبب الذي يدفعك لإرسالها؟ لتوفير وقت الكاتب وزيادة سرعة إنجازه للكتابة.
بهذه الطريقة لم تعد كتابة النص لغزًا بالنسبة لي. لديّ خريطة واضحة لكتابة رسالتي وإيصالها بدقّة ووضوح إلى القارئ الذي اخترته.
إذا لم تملك هذه الإجابات، ستضطر للتحديق في الصفحة الفارغة لوقت طويل، وربما اضطررت لاستخدام كلمات كبيرة لا تعرف معناها لإخفاء حيرتك عن القارئ.
أرسل الكاتب الأمريكي جون مكفي أحد روّاد الأدب الواقعي إلى أحد طلّابه في ورشة الكتابة بعد شكواه من حبسة الكاتب وعدم قدرته على إنهاء مسوداته:
"عزيزي جول: تخيّل أنك تحاول الكتابة عن دب ضخم. لكن الكلمات لا تأتيك، ومرّت عليك 6، 7، 10 ساعات دون عثورك عليها. ستشعر بالإحباط واليأس. أنت عالق في اللاشيء، ولا تعرف إلى أين تتجه.
ماذا ستفعل؟
امسك بورقة فارغة واكتب عليها: 'أمي العزيزة'، ثم أخبرها عن هذه الحبسة، عن الإحباط، عن العجز، عن اليأس. أخبرها أنك تشعر بالفشل واشتكي وتذمّر.
اشرح لها مشكلتك ثم أخبرها أن اتساع خصر الدب 140 سم، ووسع رقبته 76 سم، ولكنه يستطيع الركض أسرع من حصان. أخبرها أن الدب يفضّل الاستلقاء والراحة، ويرتاح 14 ساعة في اليوم. واستمر في الكتابة بهذا الشكل طالما استطعت. ثم عد واحذف الجملة الأولى 'أمي العزيزة' وكل الشكوى والتذمر، واترك وصفك للدب فقط."