للكتابة عن لحظة في الزمن، عليك حفظها عن ظهر قلب.
للكتابة عن غرفة من أربعة جدران، عليك العيش فيها لأيام وأسابيع لاكتشاف تقلّبات درجات الحرارة، وزاوية دخول الشمس، وأعطال مكيّف الهواء، وجانبك المفضّل على سريرها.
لن تستطيع شحذ بندقيّة الكتابة وإصابة الأهداف دون ذخيرة كافية.
الذخيرة هي معرفتك التامة بموضوع الكتابة، قصتك معه، حياتك فيه، بحثك عن حقائقه، وسفرك إلى أقاصي العالم هوسًا به، وفتح قلبك للتأثر والتحوّل داخله.
الذخيرة هي:
- تدوينك لتفاصيل يوم بطيء قضيته في الحديقة.
- تسجيلك للمقابلات مع سكّان قرية تريد الكتابة عنها.
- قراءتك وجمعك للأخبار عن واقعة غريبة، وحديثك مع مَن رآها.
- زيارتك لمعرض فني لفهم سبب استخدام فنان للونٍ فاقع.
- مشاهدتك للوثائقيات وبحثك عن الأدلة للتحقيق في وقائع معركة ما.
كيف تعرف أنك تملك ما يكفي من الذخيرة؟
انظر إلى حجم الموضوع الذي ستكتب عنه. اتساع الموضوع يعني ضخامة الوحش، ولقتل هذا الوحش ستحتاج إلى المزيد من الذخيرة.
يكبر الوحش أو يصغر باتخاذك لأربعة قرارات:
1# المكان
هل ستكتب عن مكان واحد أم عدة أماكن؟ ما حجم هذا المكان؟ هل هو قارة؟ دولة؟ مدينة؟ حي؟ منزل؟ غرفة؟ أم زاوية؟
2# الزمان
هل ستنتقل بين الأزمنة، أم ستكتب عن لحظة زمنية واحدة؟ هل استمرت لدقيقة؟ سنة؟ أم قرن؟
3# الشخصيات
كم عدد الشخصيات التي ستكتب عنها؟ ما حجم الاختلافات بينها؟ وهل تعرفها؟ هل عشت مع أشباهها؟
4# زوايا النظر
من أيّ زاوية نظر ستكتب؟ وكم عدد زوايا النظر؟ الكتابة من وجهة نظر طفل تختلف تمامًا عن الكتابة من وجهة نظر امرأة مسنّة.
لكل نص تريد كتابته عدد محدّد من الطلقات، كلما كَبر موضوعك، ازداد عدد الطلقات اللازمة لإصابة أهدافه.
كم طلقة ستحتاج؟
- قد تحتاج إلى طلقة أو طلقتين لكتابة رسالة قصيرة أو منشور سريع.
- عشرات الطلقات لكتابة مقال مطوّل.
- مئات الطلقات لكتابة قصيدة: للكثافة الهائلة في الشعر.
- آلاف الطلقات لكتابة رواية.
ابدأ من موضوع صغير للتدرّب على جمع الذخيرة وإصابة الأهداف: مكان واحد، زمان واحد، شخصيّة واحدة، وزاوية نظر واحدة.
الكتابة ليست جلوسك أمام ورقة بيضاء، واستحضارك للوحي، بل تجربة تأمّل وبحث تعيشها في العالم، تنتهي بالجلوس أمام ورقة بيضاء لتدوين نتيجة تحوّلك وفهمك للحياة من حولك.