رؤساء الدول، العلماء، أساطير الرياضة، والمدراء التنفيذيون لأكبر الشركات، مهما بلغت درجة انشغالهم جميعهم يلتزمون بفعل واحد متكرر: الكتابة.
نعم، الكتابة.
أصدر رؤساء الولايات المتحدة مجتمعين ما يزيد على 100 كتاب، وكتب الرئيس الأمريكي تيدي روزڤلت 35 كتابًا عن تجاربه في الزراعة، الصيد، خدمته في الجيش، وعن التاريخ والسياسة في عصره.
عُرف الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما بالتزامه بعادة الكتابة اليوميّة لإنهاء كُتبه، حيث كان يكتب في ساعات متأخرة بعد نوم جميع أفراد عائلته.
بدأ كوبي براينت بالالتزام بعادة الكتابة بعد اعتزاله لعب كرة السلة لتصبح هوسه اليومي وتوصله إلى الفوز بجائزة أوسكار بسبب كتابته لفيلم عن حبه لرياضة كرة السلة.
بيل غيتس، إيلون مَسك، وحتى وينستون تشرشل، جميعهم عرفوا الأثر العميق للكتابة وخصصوا ساعات طويلة لها لإنجاز أعظم أعمالهم رغم انشغالهم ببناء أكبر الشركات في التاريخ وخوض حروب لم يشهدها العالم من قبل.
ما الذي يدفع كل هذه الشخصيات المؤثرة والناجحة للالتزام بالكتابة والاهتمام بها؟
لابد من وجود أسباب مُقنعة تفسّر تخصيصهم لوقت ثابت للكتابة في جداولهم المزدحمة والمُنهكة.
هذه خمسة أسباب تفسّر اهتمام الناجحين والمؤثّرين بالكتابة:
1# الكتابة تحرّر مساحات جديدة في عقلك وترفع لياقته.
عقلك بحاجة إلى الكتابة لمنحه المساحة الكافية لإنتاج أفكار جديدة.
العقل البشري يشبه آلة في مصنع لا تتوقف عن الإنتاج، في كل لحظة تُنتج قطعة جديدة.
تخيّل لو تكدّست كل هذه القطع في المصنع؟ هل ستتمكن الآلة من الاستمرار في العمل؟
هذا بالضبط ما يحدث للعقل حين تتكدّس فيه الأفكار، والكتابة هي الطريقة المذهلة التي ننقل فيها أفكارنا خارج العقل، لنتمكن من إنتاج أفكار جديدة.
مثل الالتزام بتمارين الجسد، عقلك بحاجة إلى التمرين أيضًا.
التزامك بالكتابة المستمرة سيُوصل عقلك إلى أعلى مستويات أدائه.
استيقاظك كل صباح للكتابة لنصف ساعة قبل استيقاظ أفراد عائلتك، أو في الليل بعد خلودهم للنوم، سيحوّل عقلك إلى أداة لا تتوقف عن توليد النصوص.
للاستعداد لفترة الكتابة، ستبدأ بالبحث والقراءة وطرح الأسئلة من حولك لمحاولة الاقتراب من الإلهام الذي سيدفعك لكتابة أجمل نصوصك وأصدقها.
لا يمكن مقارنة عقل مَن يكتب باستمرار بعقل مَن لا يكتب.
2# الكتابة محرّك نفّاث يُطلق أفكارك إلى أبعد نقطة في العالم.
للقصة قوّة خارقة لا يمكن مضاهاتها. وللكلمة المكتوبة الصامتة أثر كبير وساحر لإحداث التغيير ونقل الحضارة البشرية إلى مناطق جديدة.
كل فكرة غيّرت العالم كان على صاحبها الجلوس أولًا للتفكير في طريقة لكتابتها.
هذا التمرين الشاق والمضني هو الخطوة الأولى لخلق الفكرة، اختبارها وفحصها، ثم كتابتها وحفظها، للوصول إلى مجموعة من الأفكار التي تستحق الانتشار والتأثير.
لهذا السبب فإن الكتابة عملية قاسية ومرعبة: فيها ستكتشف بسرعة إن كان لأفكارك قيمة أم أنه يجب عليك التخلّص منها والتفكير في غيرها.
الناجحون يدركون القدرة المذهلة للكلمة في الوصول والتأثير، وحب البشر للقصص وحاجتهم إلى كلمات تُمكّنهم من تخيّل المستقبل ورسم أحلامه.
3# الكتابة منارة تجذب الأذكياء للتحلّق حولك والاستماع لك (لأن الأذكياء يقرؤون).
بدلًا من الركض من مكان لآخر في محاولة لجذب انتباه الأذكياء في مجالك، بإمكانك البدء بالكتابة وسيعثرون عليك.
الكلمات تسافر بسرعة هائلة وتنتقل للعثور على مَن خصصت لهم رسالتك.
لأن الكتابة مُخيفة ويتجنّبها الأغلبية الساحقة من سكّان الكوكب فسيكون لكلماتك أثر مُضاعف.
الكتابة أشبه بمنارة يزيد نورها قوّة في كل مرة تكتب وتنشر فيها كلماتك.
يومًا ما ستكون منارتك قِبلة يتحلّق حولها كل مَن يبحث عن الأسئلة والإجابات التي قضيت أيامًا طويلة تفكر فيها وتكتبها.
4# الكتابة أعلى درجات التعلّم.
الكتابة تجبرك على طرح الأسئلة ووضع أفكارك تحت المجهر.
- هل هذه الفكرة واضحة؟
- هل هي مفيدة؟
- هل هي جديدة أم مطروقة؟
- ما هي قصتك المميزة التي تريد سردها عبر هذه الفكرة؟
- لمن تكتب هذه الفكرة وكيف ستقنع القارئ بها؟
الكتابة تجعلك تحكي القصة وتشرح الفكرة في عقلك باستمرار وتفكّر فيها وأنت تتجوّل في يومك.
لن تتوقف عن التعلّم، وستبحث كثيرًا وستقرأ المقالات والكتب وستغيّر هذه الرحلة حياتك.
سينمو عقلك وتتطوّر طرقك وأساليبك في التفكير والتعبير. للقبض على فكرتك وكتابتها بشكل واضح ومحدد -وربما جميل لو حالفك الحظ وساعدتك التجربة.
5# الكتابة تحفظ قصة حياتك وإرثك لسنوات طويلة.
كل القصص الرائعة في التاريخ بقيت وتناقلتها الأجيال لأنها كُتبت ودُوّنت، ومَن أفضل منك لكتابة قصتك وحفظ إرثك؟
إن لم تكتب، ربما يكتب عنك الآخرون، ربما يصيبون في بعض الحقائق والتفاصيل، وربما يخطؤون في بعضها.
كتابتك لقصتك وتدوينك لأفكارك ورسالتك هو الطريق الأقصر والأضمن لحفظ أفكارك وترك مستند تاريخي لمشاعرك ودروسك التي تعلّمتها على هذا الكوكب، ليستفيد منها مَن سيأتي بعدك.