منذ آلاف السنين أثبت كُتّاب الأغاني قدرتهم على الكشف عن العواطف الإنسانيّة الكامنة لدى ملايين البشر.

بينما يحتاج كُتّاب الأدب إلى أسطر طويلة وصفحات عديدة لإحداث الأثر في نفوس القرّاء، يستطيع كُتّاب الأغاني اختراق القلوب في كلماتٍ وثوانٍ قليلة.

قبل ظهور الكتب وانتشار القراءة، أدرك كُتّاب الأغاني أسرار إثارة مشاعر الفرح، والحزن، والطمأنينة في النفوس، وحملوا معهم مفاتيح القلوب.

منذ قرونٍ طويلة وكُتّاب الأغاني يذيعون الأخبار، يكتبون أعمدة النميمة، يحللون شؤون السياسة، يسخرون، ويكتبون عن الحب.

إنهم يحملون المرآة الأكثر صفاءً ووضوحًا لعكس أفراح وأحزان الشعوب، ولكلماتهم أثرٌ مغناطيسي منوّم، بإمكانه إحياء ذاكرة طواها النسيان منذ زمن بعيد.

عاصر كُتّاب الأغاني تقلّبات التاريخ، احتفلوا بانتصاراته، بكوا وأبكوا الملايين معهم في لحظات انكساره، وعرفوا تمامًا ما يحتاجه الناس وما يريدون سماعه.

بسبب صدقهم المُفزع، إتقانهم لفن السير على حبال الكلام، وهوسهم بالإصغاء لمشاعر الناس، قضيت ساعات طويلة أتأمل قصصهم وأتعلّم منهم.

هذه أسرار الكتابة السبعة عند كُتّاب الأغاني:

1# لا تحاول كتابة الكون بأسره.

كلّ كاتبٍ منّا مرّ بمرحلة حاول فيها كتابة نصٍ بحجم الكون، ليحوي كل شيء، ويعبّر عن كل شيء. لطالما كانت نتائج هذه المحاولات مُخيّبة ومُحبطة.

نتعلّم من كُتّاب الأغاني فعل العكس تمامًا. يقول الكاتب والمغنّي جون ماير: "حين أحاول كتابة أغنية عملاقة بحجم الكون، أفشل ولا أستطيع الكتابة وأُصاب بحبسة الكاتب، وحين أحاول كتابة أغنية بحجم كأسٍ من الماء، أكتشف بعد أسابيع أنني ضغطت الكون بأكمله في داخلها!"

الكتابة عن الأشياء الصغيرة هي الوصفة الناجحة التي تبعها أعظم كُتّاب الأغاني: من "البوسطة" لزياد الرحباني تغنّيها فيروز، و"ابعتلي جواب" لحسام الدين الخطيب يغنّيها صباح فخري، إلى "الفجر البعيد" للأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن آل سعود (رحمه الله وغفر له) ويغنّيها محمد عبده.

من أغنية الفجر البعيد:

اسهر معي ليلة

حاول تحس بلوعتي ليلة

عدّ النجوم وش كثرها ياللي بقلبي كثرها

نام القمر فوسادتك نام

ليتك تغير عادتك

خل القمر ليلة يسهر معي ليلة

صاحب السمو الملكي الأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن بن عبد العزيز آل سعود رحمه الله وغفر له.

2# اكتب الكلمات التي تخشاها.

الكلمات الأولى على ورقة فارغة هي الأصعب دائمًا على كل كاتب.

يعرف كُتّاب الأغاني هذا جيدًا، ولا يخشون من كتابة الكلمات الركيكة أو السخيفة للبدء في دفع تيّار الإلهام. يعرفون أن منجم الذهب كامنٌ في الأعماق، لذلك عليهم الاستمرار بالكتابة دون هوادة.

سيكتبون الكلمات التي يخافونها لأنها الطريق الوحيد المؤدي إلى أغانيهم الموعودة.

لم أر موسيقيًا يشرح هذه الفكرة بوضوح مثل جون ماير في حديثه مع زين لوي، حين فصّل له كيفية استخدامه لتقنية "الارتجال" لدفع نفسه للمغامرة وكتابة الكلمات التي يخشاها، دون إضاعة أي وقت في الانتظار أو التفكير.

هذه 4 خطوات يمر بها جون ماير للبدء بكتابة أغانيه:

1- يحمل غيتاره ويبدأ بالعزف.

2- يتمتم بالكلمات مباشرة دون انتظار.

3- يكتب الكلمات في عقله ويلفظها بصوت مرتفع شجاع رغم ركاكتها وسخافتها في البداية.

4- يعيد العملية حتى يصل إلى كلمات أغنيته الكاملة.

3# اقبض على صوت زمنك (ثم استرق النظر إلى المستقبل).

كُتّاب الأغاني مستمعون بارعون لصوت أزمانهم، خبراء في القبض على عاطفة العصر، ومعرفة الكلمات التي تحرّك قلوب الناس.

يعيشون أيامهم في حالة بحث مستمر عن الخيط الرفيع الذي يوصلهم إلى التعبير عن نبرة أيامهم، وينظرون أيضًا إلى القادم والمجهول، يأخذون بأيدينا للسير في الظلام لخطوات قليلة ولكنها ضرورية لاكتشاف المستقبل، لتجربة أدوات جديدة للتعبير والكشف عن أناشيد قادمة.

أحد أشهر الأمثلة هنا هو ما حدث لبوب ديلان في منتصف القرن الماضي حين نُصّب سيّدًا لموسيقى الفولك سنة 1964 في نيوپورت ليعزف أجمل أغنياته الأولى Mr. Tambourine Man، ثم يأتي بعدها بعام واحد فقط بغيتاره الكهربائي ويحطّم آمال كل محبيه لتجربة نوع جديد من الموسيقى والكتابة بأغنيته التي غيّرت وجه موسيقى الروك Like a Rolling Stone.

4# حرّك مقاطع نصك مثل قطع الأحاجي.

أعد ترتيب مقاطع نصّك ولا تلتزم بتسلسل مُسبق.

لا يمكنك التنبؤ بالمفاجآت السارّة التي قد تحدث إن أعدت ترتيب كلماتك دون قيد.

في لقاء صحفي مع بوب ديلان في غرفة فندقه عام 1965 كان يشرح للصحفيين كيف يمزّق ورقة مسودته الأولى إلى أربع قطع، ثم يبدأ بتغيير مواقعها مثل قطع الأحاجي. في كل ترتيب جديد يتغيّر شكل الأغنية، عاطفتها، طاقتها، وفي بعض الحالات موضوعها أيضًا.

من لقاء أحد الصحفيين مع بوب ديلان وهو يشرح له كيف يقطع الورقة إلى أربعة أجزاء بعد الكتابة عليها لإعادة ترتيبها - غرفة فندق ديلان في لندن عام 1965.

5# أتقن فن استقبال الهدايا.

جميعنا نعرف ذلك الشخص الذي يصعب عليه تلقي المديح أو استقبال الهدايا.

يعرف كُتّاب الأغاني ضرورة إتقانهم لفن استقبال الهدايا، لأن الوحي قد يُغرقهم أحيانًا بالهبات، وكلّ ما عليهم فعله هو الاستعداد لتلقيها وكتابتها دون تردد أو تفكير.

إن سألنا العديد من كُتّاب الأغاني عن تقنيات كتابتهم لأروع أعمالهم، سنكتشف أن بعضها كُتب في عدة دقائق دون مراجعة أو تحرير.

هذه بعض الهدايا النادرة التي يجيد كُتّاب الأغاني استقبالها. جودة الاستقبال تعني التواجد والاستعداد لتلقي الهدية، الأمر يشبه وصول ساعي البريد للطرق على باب منزلك، فهل أنت موجود؟

6# الْزَم الصدق لتخلد كلماتك.

إحدى الصفات المشتركة بين أعظم كُتّاب الأغاني هي قدرتهم على الوصول إلى أصدق العواطف وأكثرها اتصالًا بالحقائق الكونية الكبرى.

حين تأتي هذه الكلمات من تجربة صادقة وحس أصيل، ستخترق قلوب الملايين من المستمعين ولن يتردد أحد في غناء كلماتها في كل مكان.

أغنية Fast Car لتريسي تشابمان التي كتبتها عام 1988، مثال مُشرق للكلمات الصادقة النابعة من قلب المعاناة الإنسانية لتستمر وتنتشر بعدها لسنوات وعقود طويلة.

7# أتقن فن التخلّص من الأفكار السيئة.

أغلب الكتابة في الحذف.

في التخلّص مما لا يتّسق مع الحلم الذي رأيته في مخيّلتك.

قدرتك على التخلص من الأفكار السيئة واختيار الأفكار الصحيحة سيوصلك إلى هدفك في الكتابة.

يقول بوب ديلان: "الأغنية تشبه الحلم، أكتب لأحوّلها إلى حقيقة إنها تشبه بلدًا غريبًا أزوره وأتجوّل فيه."

ويقول كاتب الأغاني بيلي كورغان من فرقة The Smashing Pumpkins: "أسأل نفسي وأنا أكتب: هل هذا هو الفيلم الذي أريد تصويره؟ هل هذا هو المشهد الذي أريد حذفه؟ لدي 4 دقائق لرسم هذا العالم وعليّ اتخاذ عدد كبير من القرارات: نعم، لا، لا، نعم، نعم. لأصل إلى أقرب صورة لما تخيّلته في عقلي."