قبل ثمان سنوات من الآن (في السابع والعشرين من أكتوبر سنة 2015) أرسلت آخر مقال من مقالات نشرة معطف فوق سرير العالم والتي التزمت فيها لسنوات بوعد بسيط قطعته على نفسي: أترجم كل أسبوع للحفاظ على لياقة الحياة.
كان هذا الوعد رغم خوفي وترددي منه في البداية بوابةً أخذتني إلى عشر سنوات كاملة من العمل في مجال الترجمة الأدبيّة و19 كتابًا ترجمتها إلى اللغة العربية.
نشرت هذا الوعد على تويتر في يناير من سنة 2013 وبدأت بالعمل كل أسبوع لساعات وأيام للبحث عن مقال مناسب لترجمته إلى العربية. كنت مرعوبًا من هذا الوعد. ماذا لو لم أعثر على مقال مناسب؟ ماذا لو لم أجد الوقت لترجمته؟ ماذا لو فقدت رغبتي في العمل وتحوّلت الفكرة إلى عبء ثقيل أتهرب منه؟ لم يكن هنالك أيّ سبب منطقي يدفعني للالتزام بوعد كهذا وما أسهل العثور على أسباب تدفعنا للتوقف والنسيان بينما يظل طريق الاستمرار في العمل صعبًا ومحفوفًا بالمخاطر. “وهناك ألف سبب، ألف سبب للتوقف. لعدم التقدّم.” كما كتب جيسي آرمسترونغ.
أدرك الآن وأنا أكتب هذه الكلمات القوّة المذهلة للوعود وما يمكننا تحقيقه إن تحلينا بالشجاعة الكافية للوقوف وإطلاق وعد يتطلّب منّا العمل المستمر والركض لمسافات أبعد مما اعتدنا عليه.
الأمر يشبه قيادة سيّارة في الظلام، لا يمكنك رؤية أبعد مما تنيره لك المصابيح ولكنك تثق أن الطريق سيستمر ولن ينقطع.ربما خطرت ببالك الوعود التي نقطعها للآخرين في سياق العلاقات حين قرأت عنوان هذه النشرة. وتلك وعود مهمة وكبيرة ولكن قبل أن نتمكن من إطلاقها علينا إجادة فن إطلاق الوعود لأنفسنا، لأنها الوعود التي تشكل مستقبلنا وتصنعنا وتجعلنا نشعر بالاتساق مع شغفنا وأحلامنا.
ولطالما استخدم العديد من الكتّاب والفنانين الوعود عبر التاريخ كوقود لدفعهم في الاتجاه الصحيح. الكاتبة الأمريكية الكفيفة هيلين كيلر، رغم عدم قدرتها على الرؤية أو السماع، وعدت العالم أن تستمر بالتواصل معه وبمساعدة معلمتها آن سوليڤان تمكنت من كتابة العديد من الكتب وأصبحت رمزًا في تاريخ حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة في أمريكا.
الفنانة المكسيكية فريدا كالو وعدت أن ترسم واقعها والتزمت بهذا الوعد رغم الآلام التي عانتها قائلة: “أرسم وجهي لأنني وحيدة، لأنني أكثر شخص أعرفه.”
واتفقت معهما الشاعرة الأمريكية سيلڤيا پلاث حين قالت: “كل ما في الحياة قابل للكتابة إن امتلكت الشجاعة والخيال. الشك هو أسوأ أعدائك."
الوعد إن وُضع في المكان الصحيح وفي الوقت الصحيح سيتحوّل إلى طاقة لا يمكن إيقافها.وهذا ما أشعر به تمامًا وأنا أبدأ نشرة بريدية أسبوعية أكتبها وأشاركها معك كل سبت. أشعر اليوم بالتردد ذاته الذي شعرت به قبل سنوات فالخوف جزء أساسي من تكويننا البشري وله أغراض وفوائد عديدة لحمايتنا من مخاطر الطبيعة والغيب والمستقبل.
ولكن آلة الخوف هذه التي صُمّمت بإتقان وعناية فائقة؛ بإمكانها أن تتحوّل إلى عملاق يتحكم في خطواتنا ويُخيّل لنا ما ليس حقيقيًا ليصيبنا بالشلل.ورغم معرفتي بهذا التردد إلا أنني قد اختبرت بدقة بالغة سحر الوعود وما يمكن أن يحدث إن استطعنا الالتزام، ومواصلة القفز بثقة إلى الضفة المقابلة.
الوعود ذات القوّة المذهلة هي التي:
- نطلقها تطوّعًا ونلتزم بها دون أن تُفرض علينا.- تأخذنا في الاتجاه الذي طالما رغبنا في أخذه ولا يمنعنا عنه إلا الخوف.
- تجعلنا نقترب أكثر من حقيقتنا وقدرتنا الفائقة على الابتكار والتضحية.
- تشعرنا بالسعادة بعد قطعها رغم العناء والتعب وتجعلنا نرغب بالمزيد.
ولأنني لم أطلق أيّ وعد بالالتزام بنشرة بريدية منذ سنوات أدركت أنني بحاجة إلى تغيير ذلك بالكتابة هذه المرة. وأظنها لحظة مناسبة الآن لإطلاق وعد جديد أمامكم جميعًا بحثًا عن القوّة المذهلة للوعود:
في رسالة السبت أكتب كل أسبوع للحفاظ على لياقة الحياة.