شاهدت لقاء ليكس فريدمان ومارك زكربرغ قبل عدة أسابيع في الميتافرس. اجتمع ليكس ومارك وجهًا لوجه في غرفة واحدة رغم ابتعادهما مئات الكيلومترات عن بعضهما.
مئات التقنيات الصغيرة والكبيرة وسنوات من العمل والبحث اجتمعت لجعل هذه اللحظة المعجزة ممكنة.
حين شاهدت تلك الحلقة سألت نفسي: ما هي المشكلة التي يحاول مارك زكربرغ حلّها؟ مَن منّا لديه حاجة ماسة للدخول في غرفة واحدة مع "أيّ إنسان على الكوكب" في أي وقت وفي أي لحظة؟ قلت لنفسي: لا أريد لجميع من أعرف ومن لا أعرف أن يكونوا على بعد لمسة من اختراق حياتي، ولا أريد لكل هؤلاء البشر أن يتسكعوا في غرفتي.
أتمنى لو يتوقف عالمنا عن هذا الجنون، لأتمكن من الاشتياق.
بعد تفكير طويل أدركت أن الخلل الذي نواجهه يكمن في الطريقة التي نبتكر عبرها المنتجات والحلول التقنية. جميعها تنبع من الخوف، وأغلبها تحاول حل مشاكل غير موجودة. خوفنا الدفين جعلنا نصل إلى كل هذه الحلول التقنية لتجنب الألم.
لا نريد أن نشتاق ولا أن نجوع ولا أن نتعب ولا أن نتباطأ في العمل ولا أن نقلق ولا أن ننسى… ولا أن.. نعيش؟
مارك زكربرغ كان خائفًا من الفقد. من البقاء وحيدًا. لهذا ابتكر فيس بوك عندما كان طالبًا في هارڤرد. والآن خوفه من مرور الزمن وتلاشي اللحظات، والخوف من البُعد، والخوف من الشوق. جعله يبتكر الميتافرس. وأنا هنا لأقول: الشوق ليس مرضًا يجب التخلص منه، والفقد ليس آفة يجب استئصالها.
الألم جزء من تجربتنا البشرية من خلاله ننضج وننمو. للألم وظيفة وهدف، والتخلّص منه بكل هذه التقنيات لن يوصلنا إلى السعادة ولا إلى عالم أفضل. لا أعرف سبب هوس قادة التقنية في عالمنا اليوم بتعليب التجارب الإنسانية وجعلها متاحة ومكررة وسهلة النسخ. هذه طريقة خاطئة للتعامل مع المشاعر البشرية.
مشكلتنا في الحب ليست العثور على عشرات الأشباه أو المُرشّحين. مشكلتنا في الحب هي العثور على شخص واحد نشتاق إليه ويصعب الوصول إليه. الأمر ليس لعبة بوكيمون يفوز فيها الأقدر على جمع المزيد. ما يغفله وينساه قادة التقنية في عالمنا اليوم أن الحب في الغياب والفقد وليس في الحضور المستمر.
أتذكر قصة كتبها جلال الدين الرومي في إحدى قصائده عن الرجل الذي توقف عن دعاء ربّه وشعر بالحزن لعدم إجابة دعائه، فجاءه الملاك ليخبره أن الرسالة التي كان ينتظرها هي شعوره بالفقد، وأن الحزن هو ما يقرّبه نحو الوجود والحب الذي يبحث عنه. حياتنا المعاصرة مرعوبة من الظلام ولا مكان فيها لكلام هذا الملاك.
أتذكر مشهدًا من مشاهد مسلسل لوي.
حين اشتكى لوي من شعوره بالشوق والألم بعد أن تركته حبيبته فقال له د. بيغلو:
".. هل ظننت أن وقت لقائك بها هو الحب؟ الاستمتاع بوقتك معها؟ تقبيلك لها؟ أتظن أنه الحب؟ هذا هو الحب. شوقك لها لأنها رحلت. رغبتك في مغادرة العالم لأنها تركتك. أنت محظوظ جدًا كأنّك قصيدة تمشي على الأرض. ألا ترى أن هذا هو الحب؟ وهذا ما كنت تبحث عنه طوال الوقت؟ هذه القطعة الحلوة من الحب بين يديك. الحب الحلو الحزين. وتريد رميها؟ تريد التخلص منها؟ سيجيء الفصل القاتم. حين تنساها. حين لا تكترث لها. حين لا تكترث لأي شيء. سيجيء الفصل القاتم. لذلك استمتع بحزنك قدر استطاعتك. استمتع به."
