حين يقترب موعد معرض الكتاب كل سنة أبدأ في التفكير في كل الكتب التي اقتنيتها ولم أقرأها. وفي الروايات متعددة المجلدات التي بدأت بها قبل سنوات ولم أنته منها. وفي تساؤلات أمي عن صناديق الكتب المخزّنة خلف الأبواب وأسفل الأسرّة: ماذا سأفعل بها وأين سأضعها؟
بإمكان القراءة رغم جمالها وقدرتها الهائلة على بعث السكون وصنع المعنى في حياتنا، أن تتحوّل إلى وحش من القلق والمشاعر المظلمة التي تلتهمنا وتستهلك طاقتنا.
لقد نجحنا في تحويل القراءة إلى رياضة تنافسيّة. اخترعنا ماراثونات القراءة وقوائم الكتب التي يجب قراءتها قبل أن نموت. ودون علمنا؛ أصبحت القراءة حملًا ثقيلًا علينا. نشعر بالذنب حين نقتني كتبًا لا نقرؤها، وبالتقصير حين لا نلتزم بقوائم الكتب التي نصحنا بها كبار القرّاء، وبالرعب حين ننظر إلى الكتب ذات المجلدات العديدة على الرف: متى سنبدأ بها وكيف سنقرؤها وهل سننتهي منها قبل أن نغادر العالم؟
إن تأملنا علاقتنا مع القراءة اليوم، سنجد فيها العديد من المناطق المظلمة والمشاعر المرهقة.
ماذا لو حاولنا استكشاف هذه المشاعر بدلًا من الهرب منها؟ ماذا لو قررنا مواجهتها والحديث عنها أمام الجميع؟
علينا أن نبدأ بالاعتراف بوجود جانب مظلم للقراءة. نعم، بإمكان القراءة أن تتحوّل إلى كابوس. لذلك سأبدأ بمواجهته. سأتوقف عن الهرب منه وأعترف بوجوده:
- أعترف أنني لم أقرأ رواية دوستويفسكي العملاقة ذات المجلدات الأربعة "الأخوة كارامزوف".
- أعترف أنني بدأت الكثير من الكتب ولم أنهها.
- أعترف أنني استمعت إلى الكثير من الكتب الصوتية في السنة الماضية بدلًا من قراءتها.
- أعترف أنني لم أقرأ أغلب الكلاسيكيات وأتمنى لو وجدت الوقت على جزيرة نائية لعدة أشهر لقراءتها.
هنالك فراغ كبير بين التوقعات التي تفرضها علينا الثقافة السائدة وبين الحقيقة اليومية التي نعيشها. نحن لسنا في روما القديمة، ولا يوجد مسرح للمدينة يقف عليه ڤيرجيل أو سينيكا للحديث أمام الملأ في وقت واحد لإيصال رسالة واحدة. أعداد الكتّاب والكتب اليوم في ازدياد، ولم يعد هنالك مركز واحد للمعرفة. العالم يُصدر أكثر من نصف مليون كتاب سنويًا. حياتنا اليوم متغيّرة ومتسارعة، وحان الوقت للبحث عن نوع جديد من القراءة يتناسب مع عصرنا ويشبهنا.
هذه ثلاثة جوانب مظلمة للقراءة وثلاث طرق قد تساعدنا على الخروج منها:
- أشعر بالذنب حين أقتني الكتب دون قراءتها.
فكّر في الكتاب الذي تقتنيه على أنه كائن حي تستضيفه في منزلك؛ من غلافه وطريقة وضعه في الغرفة، إلى المحادثات التي تبدأ حين يراه أحد زوّارك، إلى العوالم المحتمَلَة التي قد تتكشّف إن طلب أحد أقربائك استعارته. لا تتردد في اقتناء عدد كبير من الكتب. وكما قالت الكاتبة أليسون لويس كينيدي: "امتلاكك لعدد هائل من الكتب (لا تكفي حياة واحدة لقراءتها) هي علامة تفاؤل كبير."
- أشعر بالتقصير حين لا أقرأ قوائم الكتب الشهيرة.
لا يجب عليك قراءة كل كتاب في الوجود لتتعرّف على كل الأفكار. بإمكانك قراءة عدد محدود من الكتب وستصل إلى معظم الأفكار الأصيلة التي جاء بها البشر. وكما قال مارك توين: "كل الحقائق قديمة. كل الأفكار مستعملة ومستمدة من مليون مصدر خارجي."
العقول العظيمة عبر التاريخ تصل إلى الاستنتاجات ذاتها. لذلك بإمكانك الاسترخاء إن لم تتمكن من قراءة روايات القائمة الطويلة لجائزة البوكر هذا العام. ستجد الأفكار ذاتها متنكّرة تتسكّع في كتب أخرى.
- أشعر بالخجل من الحديث عن كتبي التي أحبها.
لا يجب عليك قراءة كتاب المؤلف المنتحر من الطابق الخامس عشر، الذي يحتفل به الجميع على وسائل التواصل حتى يُسمح لك بمشاركة كتبك التي تحب. تذكر ما قاله هاروكي موراكامي: "إن قرأت ما يقرؤه الآخرون، ستفكر مثلهم."
لا توجد طريقة صحيحة للقراءة. لا توجد قائمة كتب مناسبة للجميع. إن كنت مهتمًا بالحضارات القديمة والمسلسلات الكوميدية وقصص المانغا فإن قائمتك تختلف عن قائمتي أو قائمة أيّ شخص آخر.
ابحث عن قائمتك الخاصة بك. وتحدث عن كتبك بشجاعة ليعرف الجميع مَن أنت. فلا أحد يشبهك.
هذه الرسالة هي دعوة لنا جميعًا لابتكار نوع جديد من القراءة لا نشعر فيه بالذنب حين نقتني الكتب، لأن اقتناء الكتب فعل نبيل ورائع. سيلهمك بصريًا ويؤسس لعلاقة مستمرة للكتاب مع منزلك. فكّر في الزوار من الأهل والأصدقاء الذين تعرفوا على هذا الكتاب بسبب شرائك له.
وعلينا جميعًا تذكر أن القراءة مهما كان شكلها هي هدية وهبة. كما كتبت فيرجينيا وولف حين يُكافأ الجميع ونأتي نحن وكتبنا في أيدينا سيقال عنّا: "هؤلاء ليسوا بحاجة إلى مكافآت، ليس لدينا ما نقدمه لهم. لقد كانوا يحبون القراءة."